كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



السابع: تسخير الجبال له والطير.
{يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: سبحي معه، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة.
الثاني: سيرى معه قاله الحسن وهو من السير ما كان في النهار كله أو في الليل كله، وقيل: بل هو سير النهار كله دون الليل.
الثالث: ارجعي إذا رجع، قال الشاعر:
يومان يوم مقاماتٍ وأنديةٍ ** ويوم سير إلى الأعداء تأويب

أي رجوع بعد رجوع.
{وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} قال قتادة كان يعمل به كما يعمل بالطين لا يدخله النار ولا يضربه بمطرقة.
ويحتمل وجهًا آخر أنه سهل له الحديد أن يعمل منه ما شاء وإن كان على جوهره وطبعه من قولهم قد لان لك فلان إذا تسهل عليك.
قوله عز وجل: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} أي درعًا تامة، ومنه إسباغ النعمة إتمامها، قال الشاعر:
وأكثرهم دروعًا سابغات ** وأمضاهم إذا طعنوا سنانا

{وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} فيه قولان:
أحدهما: عدِّل المسامير في الحلقة لا تصغر المسمار وتعظم الحلقة فيسلس، ولا تعظم المسمار وتصغر الحلقة فتنفصم الحلقة، قاله مجاهد.
الثاني: لا تجعل حلقه واسعة فلا تقي صاحبها، قال قتادة: وكان داود أول من عملها، وكان قبل ذلك صفائح.
وفي {السَّرْدِ} قولان:
أحدهما: أنه النقب الذي في حلق الدرع، قاله ابن عباس، قال لبيد:
وما نسجت أسراد داود وابنه ** مضاعفة من نسجه إذ يقاتل

الثاني: أنه المسامير التي في حلق الدرع، قاله قتادة، مأخوذ من قولهم: سرد الكلام يسرده إذا تابع بينه، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «في الأشهر الحرم ثلاثة سردٌ وواحد فرد». وقال الهذلي:
وعليهما مسرودتان قضاهما ** داود أو صنع السوابغ تبّع

وحكى ضمرة بن شوذب أن داود عليه السلام كان يرفع كل يوم درعًا فيبيعها بستة آلآف درهم، ألفان لأهله، وأربعة آلاف يطعم بها بني إسرائيل خبز الحواري.
وحكى يحيى بن سلام والفراء أن لقمان حضر داود عند أول درع عملها فجعل يتفكر فيما يريد به ولا يدري ما يريد، فلم يسله حتى إذا فرغ منها داود قام فلبسها وقال: نعمت جنة الحرب هذه، فقال لقمان: الصمت حكمة وقليل فاعله.
{وَاعْمَلُواْ صَالِحًا} فيه وجهان:
أحدهما: هو قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، قاله ابن عباس.
الثاني: فعل جميع الطاعات.
{إنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} أي يعلم ما تعملون من خير أو شر.
قوله عز وجل: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ} أي وسخرنا لسليمان الريح.
{غُدُوَّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} قال قتادة: تغدو مسيرة شهر إلى نصف النهار فهي تسير في اليوم الواحد مسيرة شهرين.
وقال الحسن: كان يغدو من دمشق فيقبل بإصطخر وبينهما مسيرة شهر للمسرع ويروح فيبيت بكابل وبينهما مسيرة شهر للمسرع.
{وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ} قال قتادة هي عين بأرض اليمن، قال السدي: سيلت له ثلاثة أيام، قال عكرمة: سال له القطر ثلاثة أيام من صنعاء اليمن كما يسيل الماء.
وقال الضحاك: هي عين بالشام.
وفي القطر قولان:
أحدهما: أنه النحاس، قاله ابن عباس وقتادة والسدي.
الثاني: الصَّفر، قاله مجاهد وعطاء وابن زيد.
{وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ} يعني أن منهم من سخره الله تعالى للعمل بين يديه، فدل على أن منهم غير مسخر.
{بِإِذْنِ رَبِّهِ} أي بأمر ربه.
{وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا} فيه قولان:
أحدهما: يعني عن طاعة الله تعالى وعبادته، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: عما يأمره سليمان، قاله قتادة: لأن أمر سليمان كان كأمر الله تعالى لكونه نبيًا من أنبيائه.
{نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ السَّعِيرِ} أي النار المسعرة وفيه قولان:
أحدهما: نذيقه ذلك في الآخرة، قاله الضحاك.
الثاني: في الدنيا، قاله يحيى بن سلام. لأنه لم يكن يسخر منهم إلا الكفار فإذا آمنوا أرسلوا، قال وكان مع المسخرين منهم ملك بيده سوط من عذاب السعير فإذا خالف سليمان ضربه الملك بذلك السوط.
قوله عز وجل: {يَعْمَلَونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ} فيها ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها قصور، قاله عطية.
الثاني: المساجد، قاله قتادة، والحسن.
الثالث: المساكن، قاله ابن زيد.
قال أبو عبيدة: محراب الدار أشرف موضع فيها، ولا يكون إلا أن يرتقى إليه.
{وَتَمَاثِيلَ} هي الصور، قال الحسن ولم تكن يومئذ محرمة، وفيها قولان:
أحدهما: أنها من نحاس، قاله مجاهد.
الثاني: من رخام وشبَه، قاله قتادة.
ثم فيها قولان:
أحدهما: أنها كانت طواويس وعقابًا ونسورًا على كرسيه ودرجات سريره لكي يهاب من شاهدها أن يتقدم، قاله الضحاك.
الثاني: صور الأنبياء الذين قبله، قاله الفراء.
{وِجِفَانٍ} قال مجاهد: صحاف.
{كَالْجَوَابِ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: كالحياض، قاله الحسن.
الثاني: كالجوبة من الأرض، قاله مجاهد.
الثالث: كالحائط، قاله السدي.
{وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: عظام، قاله مجاهد.
الثاني: أن أثافيها منها، قاله ابن عباس.
الثالث: ثابتات لا يزلن عن أماكنهن، قاله قتادة، مأخوذ من الجبال الرواسي لثبوتها وثبوت الأرض بها. قال ابن جريج: ذكر لنا أن تلك القدور باليمن أبقاها الله تعالى آية وعبرة.
{اعْمَلُواْ ءَال دَاوُدَ شُكْرًا} فيه ستة تأويلات:
أحدها: أنه توحيد الله تعالى، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: تقوى الله والعمل بطاعته، قاله محمد بن كعب.
الثالث: صوم النهار وقيام الليل، قاله ابن أبي زياد، فليس ساعة من نهار إلا وفيها من آل داود صائم ولا ساعة من الليل إلا وفيها من آل داود قائم.
الرابع: اعملوا من الأعمال ما تستوجبون عليه الشكر، قاله ابن عطاء.
الخامس: اذكروا أهل البلاء وسلوا ربكم العافية.
السادس: ما حكاه الفضيل أنه لما قال الله تعالى: {اعْمَلُواْ ءَالَ دَاوُدَ شُكْرًا} فقال داود إِلهي كيف أشكرك والشكر نعمة منك؟ قاله: الآنَ شَكَرْتِنِي حِينَ عَلمْتَ أَنَّ النِّعَمَ مِنِّي.
{وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: المؤمن، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: الموحّد، وهو معنى قول ابن عباس.
الثالث: المطيع، وهو مقتضى قول محمد بن كعب.
الرابع: ذاكر نعمه، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية ثم قال: «ثَلاَثَةٌ مَنْ أُوتِيَهُنَّ فَقَدْ أُتُي مِثْلُ مَا أوتِيَ ءَالُ دَاوُد: العَدْلُ فِي الغَضَبِ وَالرِّضَا، والقَصدُ فِي الفَقْرِ وَالغِنَى، وَخَشَيَةُ اللَّهِ فِي السِّرِ وَالعَلاَنِيَةِ».
وفي الفرق بين الشاكر والشكور ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الشاكر من لم يتكرر شكره والشكور من تكرر شكره.
الثاني: أن الشاكر على النعم والشكور على البلوى.
الثالث: أن الشاكر خوفه أغلب والشكور رجاؤه أغلب.
قوله عز وجل: {فََلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ} الآية. روى عطاء بن السائب. عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ سُلَيْمَانَ نَبِيُّ اللَّهِ عَلَيهِ السَّلاَمُ كَانَ لاَ يُصَلِّي صَلاَةً إلاَّ وَجَدَ شََجَرَةً ثَّابِتَةً بَيْنَ يَدَيهِ فَيقُولُ لَهَا: مَا اسْمُكِ؟ فَتَقُولُ: كَذَا كَذَا، فَيقُولُ لَمَا أَنتِ؟ فَتَقُولُ لِكَذَا وَكَذَا، فَصَلَّى يَومًا فَإِذَا شَجَرةٌ ثَابِتَةٌ بَيْنَ يَدَيهِ فَقَالَ لَهَا مَا اسْمُكِ؟ فَقَالَتْ: الخَرُّوبُ فَقَالَ: لِمَ أَنتَ؟ فَقَالَتْ لِخَرَابِ هذَا البَيْتِ. فَقَالَ سُلَيمَانُ اللَّهُمَّ أَغُمَّ عَلَى الجِنِّ مَوتي حَتَّى يَعْلَمُ الإنسُ أَنَّ الجِنَّ كَانُوا لاَ يَعْلَمُونَ الغَيبَ قَالَ فَهَيَّأََ عَصًا ثُمَّ تَوَكَّأَ عَلَيهَا حَولًا وَهُم لاَ يَعلَمُونَ، قَالَ ثُمَّ أَكَلَتْهَا الأَرَضَةُ فَسَقَطَ فَعَلِمُواْ عِندَ ذَلِكَ مَوتَهُ فَشَكَرَتِ الجِنُّة ذلِكَ لِلأَرضَةِ فَإنَّمَا كَانُوا يَأْتُونَهَا بِالمَاء» قال السدي: والطين، ألم تر إلى الطين الذي يكون في جوف الخشب فإنما هو مما تأتيها به الشياطين شكرًا: قال وقدروا مقدار أكلها العصا فكان مقدار سنة.
وفي {دَابَّةُ الأَرْضِ} قولان:
أحدهما: الأرضة، قاله ابن عباس ومجاهد، وقد قرىء دابة الأرض بفتح الراء وهو واحد الأرضة.
الثاني: أنها دابة تأكل العيدان يقال لها القادح، قاله ابن زيد.
والمنسأة العصا، قال الشاعر:
إذا دببت على المنسأة من هرم ** فقد تباعد عنك اللهو والغزل

وأصلها مأخوذ من نسأت الغنم إذا سقتها، وقال السدي هي العصا بلسان الحبشة.
وفي دلالتها للجنة على موته قولان:
أحدها: وهو المشهور المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم أن سليمان وقف في محرابه يصلي متوكئًا على عصاه فمات وبقي على حاله قائمًا على عصاه سنة والجن لا تعلم بموته، وقد كان سأل الله أن لا يعلموا بموته حتى مضى عليه سنة.
واختلف في سبب سؤاله لذلك على قولين:
أحدهما: لأن الجن كانوا يذكرون للإنس أنهم يعلمون الغيب، فسأل الله تعالى ذلك ليعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب، وهذا مأثور.
الثاني: لأن داود عليه السلام كان أسس بيت المقدس ثم مات فبناه سليمان بعده وسخر الجن في عمله، وقد كان بقي من إتمامه بعد موته بناء سنة فسأل الله تعالى ألا يعلم الجن بموته حتى يتموا البناء فأتموه.
ثم دلتهم دابة الأرض في أكل منسأته على موته بعد سنة من موته لأنه سقط عنها حين أكلتها الأرضة فعلمت الجن أنه قد مات.
والقول الثاني: ما حكاه ابن عباس أن الله تعالى ما قبض نبيه سليمان إلا على فراشه وكان الباب في وجهه مغلقًا على عادته في عبادته فلما كان بعد سنة أكلت الأرضة العتبة فخر الباب ساقطًا فتبينت الجن ذلك. قال: وكان سليمان يعتمد على العتبة إذا جلس.
{فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الجِنُّ} والشياطين ومن كانوا مسخرين في العمل.
{أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثواْ فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ}.
الثاني: تبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين سنة. وروى سفيان عن عمر وعن ابن عباس أنه كان يقرأ التلاوة: {فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الإنسُ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الْغَيبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ سَنَةً}.
الثالث: أن الجن دخلت عليهم شبهة توهموا بها أنهم يعلمون الغيب لما خر تبينوا أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين.
وحكي أن سليمان عليه السلام ابتدأ بناء بيت المقدس في السنة الرابعة من ملكه واستكمل بناءه في السنة الحادية عشرة من ملكه وقرب بعد فراغه منه اثني عشر ألف ثور ومائة وعشرين ألف شاة، واتخذ اليوم الذي فرغ من بنائه عيدًا، وقام على الصخرة رافعًا يديه إلى الله تعالى بالدعاء فقال اللهم أنت وهبت لي هذا السلطان وقويتني على بناء هذا المسجد فأوزعني أن أشكرك على ما أنعمت علي، وتوفني على ملتك، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، اللهم إني اسألك لمن دخل هذا المسجد خمس خصال: لا يدخله مذنب دخل للتوبة إلا غفرت له وتبت عليه، ولا خائف إلا أمنته، ولا سقيم إلا شفيته، ولا فقير إلا أغنيته، والخامس ألا تصرف نظرك عمن دخله حتى يخرج منه، إلا من أراد إلحادًا أو ظلمًا يا رب العالمين.
قوله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإِ فِي مَسْكَنِهِمْ} الآية. وقد ذكرنا اختلاف الناس في سبأ على قولين:
أحدهما: أنه اسم أرض باليمن يقال لها مأرب، قاله سفيان.
الثاني: اسم قبيلة.
واختلف من قال بهذا هل هو اسم امرأة أو رجل على قولين.
أحدهما: أنه اسم امرأة نسبت القبيلة إليها لأنها أمهم.
الثاني: أنه رجل. روي أن فروة الغطيفي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبأ ما هو؟ أبلد أم رجل أم امرأة؟ فقال: «بَلْ رَجُلٍ وَلَدَ عَشْرَةً، فَسَكَنَ اليَمَنَ مِنهُم سِتَّةٌ وَالشَّامَ أَرْبَعَةٌ أَمَّا اليَمَانِيُّونَ فَمَذْحَجٌ وَكِيْدَهٌ وَالأزد وَالأَشعَرِيُّونَ وَأَنَمَارُ وحِمْيَرُ وَأَمَّا الشَّامِيُّونَ فَلَخْمٌ وَخِذَامُ وَغَسَّانُ وَعَامِلَةُ».
وذكر أهل النسب أنه سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. قال السدي: بعث إلى سبأ ثلاثة عشر نبيًا.
وأما {جَنَّتَانِ} فقال سفيان وجد فيهما قصران مكتوب على أحدهما: نحن بنينا سالمين، في سبعين خريفًا دائبين، وعلى الآخر: نحن بنينا صرواح، مقيل ومراح، وكانت إحدى الجنتين عن يمين الوادي والأخرى عن شماله.